ـ سِــــــيَـــــاط الفــــــقْــــر ـ 2 ـ
ـ رِيفِية شقراء زُفَّت إلى المدينة عَروساً. مضَت بِضعة أسابيع . بدأت
الخلافات بينها و بين أهل البيت , ثمّ استَحالت إلى خُصومات . في
البداية كان زوجها مُحايِداً لكنّه في النِّهاية انتقل إلى طرف الخصوم.
مَنْبوذة تَتَجَرّع ذُلَّهم و احتِقارَهم ، تُقاوم مكائِدَهم . مرّت السّنة .
انجَبت ابنتها الأولى.اشتدّت الخصومات و أضحى زوجها أَعْنَف خصومها.
تَصبّرت و اصطبرت على أذاهم ما استطاعت . لا تُريدُ العودة إلى بيتِ
والِدتها العجوز أرْملة الشّهيد ، أمّ لثمانية أولاد هلكوا جميعا إلاّ بِنْتَـين ,
و التي انْهَكَتْها خِدْمة البيوت مُقابل دنانير معدودة .و ظنّت أخيرا أنّها
أتَمّت رسالتَها بِزواج ابنتَيْها.عادت إليْها ابنَتُها بعدَ ان استَحال الحلُّ
الوسط و قرّر الجميع و اتفقوا على طردِها و انتِزاع ابنتِها منها .
ضمائرهم ميِّتة و نفوسهم تتعاون على الشّر . عادت المسكينة إلى
كوخ والدتها مُمَزَّقة النّفس منْفَطِرة الفؤاد يقتُلها بُعدها عن ابنتها في
اليوم ألف مرّة تُخفي حَبَلَها عنهم مِن خَشيتهم .ألم الطّلاق ، تعبُ
الحَبَل ، اشتِداد الفاقة ،و حُرْقة البعد عن فلذة كبدها في كوخ الحرّ
و البرد لهما فيه نصيب جعلها تبدوا كعجوز و هي ريعان شبابها . أجرة
والدتها لا تكفِ إلاّ للضروري من الطّعام و الأغراض .مرّت شهور. حلَّ
الشِّتاء و كان أشدّ برداً من سابقيه و قد دخلت شهرها التّاسع .
خرجت والدتها إلى عملها و بقيت هي بمُفردها تَرتجف برداً تَتَدثّر في
ثيابها الرثّة . أرادت بعض الدّفء فخَطَر بِبالِها فكرة . أحضَرت إناءً معدنياً
نَصْفاناً بالكحول ثمّ جعلته يشتعِل و ترَبّعت بقُربِه تتدفّأ. طُرِقَ الباب
فقامت مسرعة فعَلِقَ جناحُ ثوبها بالإناء فانسكب و شبَّ اللّهب فيها.
فتحت الباب و خرجت كرة ملتهِبة تصرخ . هبّ إليها الجيران يُطْفِـؤونها.
أخذوها على جناح السّرعة إلى المستشفى و أخضعوها لعملية
قيصرية و قضت هناك زُهاء الحولين بين العلاج و التَّرميم .احترق كلّ
جسدها إلاّ وجهها . اشتَـهت بعض الدّفء فضربها سوط مِن سياط
الفقر و طَبع على جسدها تشوُّهات تُرافقها مدى الحياة .
هــــــــــــــــمــــــــــــــــــســــــــــــة فــــــــــــــرح