امـــــرأة فــــي الـــشّـــارع ...

*ـ امـــــرأة فــــي الـــشّـــارع ...


ـ انـتـصـف الـلّـيـل,خـرجـت كـعـادتي أجـوب الـشّـوارع بِـخـيـالي و مـا

أحـمـل مـن الـذّكـريـات.شـارع مُـظـلـم ,مـوحِـش و الـصّـوت يـدقّ فـيـه

أجـراسا,تـخْـتـرقـه خـشـخـشـة جـرذان و قـطـط تـنـبـش الـقُـمـامـة

تـطـلـب الـحـيـاة فـي بـقـايـا طـعـام الـبـشـر.شـارع كـان نـهـاراً

مـزدحـمـاً,يَـتِـيـه الـغـريـب في زِحـامِـه الذي يـحـجـب مـعـالـمـه,صـار

الآن أكـثـر وحـشـة مـن الـمـقـابـر.

سِـرت ...

امـرأة تـجـلـس في ركـن مـنْـعـزل ,تـحـتـمي بـشـدّة ظـلامـه,تـفْـتَـرش

أوراق صـنـاديـق الـتّـغـلـيـف,تـتـكـئ عـلى كُـوم مـن الـمـلابـس الـبـالـيـة,

تَـنْـبـعِـث مـنـهـا رائـحـة نـتـِنـة,تـتـحـسّـس أيّ حـركـة,بـالـقـرب مـنْـهـا

أواني قـذرة.طـردهـا زوجـهـا بـعـد زواجـه الـثّـاني لـضـيـق بـيـتـه,و لـم

يـكـن لأهـلـهـا بـيـت,لأنّـهـم بـاعـوه و اقـتـسـمـوا ثـمـنـه بـعـد وفـاة

والـديـهـم,تـعـيـش الـتـشـرّد في هـذا الـمـكـان مـنـذ عـشـرة أعـوام.

وَاصَــــــلْـــتُ الـــسّـــيْـــرَ ...

امـرأة عـجـوز تـنـام مـلء جـفـنـيْـهـا عـلى مـقـعـد مـوقـف الـحـافـلات,

تـرتـدي الـكـثـيـر مـن الـمـلابـس الخـشـنـة,لا تـمـلـك غـيـر قـارورة مـاء

و حـقـيـبـة صـغـيـرة تـتـوسّـدهـا,مُـصـابـة بِـداء الـخـرف,ربّـمـا خـرجـت

مـن بـيـتـهـا و لـم تـعـرف طـريـق الـعـودة ,تـلازم هـذا الـمـقـعـد مـنـذ

أسـبـوع.

وَاصَـــلْـــتُ الـــسَّـــيْـــرَ ...

امـرأة في ثـوب رثّ,تـجـلـس عـلى عـتـبــة بـيـتـهـا ,تـقـوقـعـت عـلى

نـفـسـهـا,تـضـمّ سـاقـيـهـا بـذراعـيـهـا و تـضـع جـيـيـنـهـا عـلى

رُكْـبـتـيـهـا,تـمـسـح دمـعـهـا بـطـرف ثـوبِـهـا مـن حـيـن لآخـر,ضـربـهـا

زوجـهـا الـسـكّـيـر و رمـاهـا خـارجـا,تـنـتـظِـر عـودة عـقـلـهِ لـيـفْـتـح

الـبـاب و يُـدخـلـهـا و يـعْـتِـذر كـكـلّ مـرّة.

وَاصَـــلْــتُ الـــسَّـــيْــرَ ...

بـدأت أسـمـع بـعـض الـضّـجـيـج و مـعـالـم الـشّـارع أصـبـحـت أكـثـر

وضـوحـا . شـابّـة لـم تـبـلـغ الـعـشـريـن كـاسـيـة عـاريـة يُـرافـقـهـا

شـابّـان , تَـصْـطـنِـع الـفـرح بـمَـلامـح يـائـسـة,طَـمـست بـراءة وجـهـهـا

الـمـسـاحـيـق الـمـلـوّنـة,تـخْـتـلـس الـنّـظـر يـمـيـنـاً و شـمـالاً, كـأنّـهـا

تـتحـدّى بـقـايـا الـحـيـاء في نـفـسـهـا,تَـمْـتـهِـن الـفـجـور , ضـحـيّـة

تـفـتَـرِس ضـحـايـا و يَـفْـتـرسـونـهـا مـنـذ فـضَّـلـت عـيـش الـشّـارع

عـلى جـحـيـم زوجـة أبـيـهـا بـُعَـيْـدَ و فـاتـه.

وَاصَـــلْــتُ الـــسّـــيْــرَ ...

امـرأة تـفـتـح نـافـذة مـطـبـخـهـا ,تـظـاهـرت بـالـعـطـش بـعـد أن رنّ

هـاتـف زوجـهـا,تـمـسـح عـبـراتـهـا بـخِـمـارهـا, تـتـألّـم و لا تـئـنّ,لا

تُـريـدُه أن يـعـرف أنّـه مـكْـشـوف الأمـر,هـيَ طـالـقٌ إلى حـيـن انـتـهـاء

الـمـكـالـمـة,هـذه حـالـها مـنْـذ ثـلاثـة أشـهـر.

وَاصَـــلْـــتُ الـــسَّـــيْـــرَ ...

امـرأة في الـثّـلاثـيـنـات شـعْـثَـاء غـبْـراء,تُـهَـمْـهِـم تـارة و تـضـحـك

أخـرى,تـمـشـي و تـتـوقّـف,حـركـات جـسْـمـهـا بِـلا مـعـنى,فـقـدت

عـقـلـهـا بـفـقـدان بـيْـتِـهـا و زوجـهـا و ولـديـهـا في حـادث مـأسـاوي

مـنـذ خـمـس سـنـوات, سَـتَـضَـعُ مـولـودهـا قـريـبـاً.

وَاصَـــلْـــتُ الـــسَّـــيْـــرَ ...

امـرأة في حُـلّـة جـمـيـلـة غـيـر مُـتَـبـرِّجَـة و لا فـاتِـنـة بِـرفـقـة رجـل

أنـيـق,تَـشـابـكَـت أصـابِـع يُـمْـنـاهـا بِـأصـابِـع يُـسْـراه,عَـادَت مَـشْـيـاً

لـشـاعِـريّـة أكـثـر مـن الـمَـطْـعـم الـلّـبـنـاني في نـهـايـة الـشّارع,

حـيـث تـنـاولـت عـشـاءا فـاخـرا و قـضـت أمْـسـيـة مـمـتـعـة.الـيـوم

مـضـت سـنـةٌ عـلى زواجـهـا.

وَاصَـــلْـــتُ الـــسَّـــيْـــرَ ...

ظـلّ امـرأة يُـلازمـني مـنـذ الـبِـدايـة,اسـتـدرت أبـحـث عـن صـاحِـبـتـه

لـكـنّـه لـم يـكـن سـوى ظلّ أعـرِف قـصـتـه بـتـفـاصـيـلـهـا...كـان

الـظـلّ ظـلّي.

وَاصَـــلْـــتُ الـــسَّـــيْـــرَ ...


هــــــــــــــــــمـــــــــــــــســــــــــة فـــــــــــــــــــرح